الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق:12]
بتاريخ 8 أبريل, 2016 في 11:28 مساءً | مصنفة في دينية | تعليق واحد

 فهرس

 موقع جامعة الإيمان: قد نمر على كثير من الآيات في القرآن فلا نكاد نتفكر فيها ولا نتدبرها، إما لشرود في الذهن، وإما لعدم فهم بعض ألفاظها؛ لأن كثيراً من ألفاظ اللغة العربية قد نسيناه ولم نعد نعرف معناه؛ لأننا في شغل شاغل عن المعاني والألفاظ وإنما همنا أن نقرأ وفقط، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “لا تهذوا القرآن كهذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب”(1).

إلا أن العجيب أن الكثير يقف عند قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق:12]متأملاً ما المراد بقوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ فإذا كان لفظ السماوات بصيغة الجمع والأرض بصيغة المفرد، فما المراد بقوله ﴿مِثْلَهُنَّ﴾ فهل المراد أن هناك سبع أرضين كالسموات؟

ثم قد يتبادر ههنا سؤال آخر وهو لماذا نؤمن أن السموات سبع ولا نكاد نقتنع أن الأرضين سبع كالسموات؟ أم المراد أن الأرض مثل السموات في تكوينها وشكلها الظاهر فقط وليس المقصود به ما تقدم من المعاني؟

وإذا كنا قد تطرقنا لهذه الآية في مجال الإعجاز العلمي؛ فهنا سيرد سؤال آخر هو ما علاقة الآية بالإعجاز العلمي؟ أليس الإعجاز هو إخبار القرءان الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيما اخبر به عن ربه سبحانه.

فكيف إذن يمكننا الجمع بين الإعجاز العلمي بمفهومه المتقدم وبين ما تم معرفته من خلال الكشوف العلمية المعاصرة؟

للإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها نشرع في هذا البحث إن شاء الله تعالى بعون منه وتوفيق، وستكون محاور هذا البحث على النحو التالي:

1- النصوص الشرعية التي ورد فيها موضوع البحث.

2- بيان بعض الألفاظ العربية الواردة في النصوص الشرعية.

3- أقوال المفسرين في آية سورة الطلاق.

4- تفسير ألفاظ الآيات.

5- العلم وطبقات الأرض.

6- المثلية في آية الطلاق.

7- وجه الإعجاز.

فهرس

النصوص الشرعية التي ورد فيها موضوع البحث:

هناك الكثير من الآيات في القرآن الكريم تتحدث عن خلق السموات والأرض، تحث الإنسان على التفكر في عظيم خلق الله سبحانه وتعالى وأنه هو وحده القادر على إتقان كل هذا الكون الفسيح، غير أنني سأقتصر على ذكر ثلاث آيات منها، ففي قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا﴾[الملك: 3]، ومثلها قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ [نوح: 15-16] نلاحظ أن الله عز وجل يخبرنا بأنه هو خالق السموات وأنهن سبع سموات، ثم عقب بذكر صفة لهذه السموات بأنهن طباقا، ثم أفرد القمر وجعله فيهن نورا وكذلك أفرد الشمس وجعلها فيهن سراجا، فكل من الشمس والقمر مفردان لا ثاني لهما من مفهوم الآية، ولعلنا نؤكد من خلال ذلك أن السموات السبع ليس لهن شمس ولا قمر غير اللذان نراهما في سمائنا.

وفي قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾[الطلاق: 12] ذكر الله عز وجل خلق الأرض بعد ذكره لخلق السماوات السبع، وأفردها، بينما جمع السماوات، وفي هذا إيحاء على أن الأرض واحدة كجرم سماوي.

أقوال المفسرين في آية سورة الطلاق:

جاء في تفسير ابن كثير ما نصه: “يقول تعالى مخبرا عن قدرته التامة وسلطانه العظيم ليكون ذلك باعثا على تعظيم ما شرع من الدين القويم ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ كقوله تعالى إخبارا عن نوح أنه قال لقومه ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً﴾[نوح: 15] وقوله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾[الإسراء: 44] وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ أي سبعا أيضا كما ثبت في الصحيحين: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين»(2)، ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وخالف القرآن والحديث بلا مستند وهكذا قال ابن مسعود وغيره”(3).

وفي تفسير القرطبي ذكر رحمه الله ما يراه صحيحا وهو أن الأرضين سبع، وأن ما بين كل أرض وأرض كما بين كل سماء وسماء، وأن هناك أناس يعيشون على كل أرض من تلك الأرضين، ونسب ذلك للجمهور ولا أدري من أين جاء بهذا الترجيح حيث يقول: “لا خلاف في السماوات أنها سبع بعضها فوق بعض دل على ذلك حديث الإسراء وغيره، ثم قال: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ يعني سبعا واختلف فيهن على قولين: أحدهما -وهو قول الجمهور- أنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء وفي كل أرض سكان من خلق الله.

وقال الضحاك: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ أي سبعا من الأرضين ولكنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السماوات والأول أصح(4).

وأما الثعالبي فقد توسط ولم يجزم بشيء سوى أنه نقل ما رجحه بعض العلماء وحصر المثلية في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾على العدد فقط أي سبع أرضين،فقال: “لا خلاف بين العلماء أن السماوات سبع، وأما الأرض فالجمهور على أنها سبع أرضين وهو ظاهر هذه الآية، وإنما المماثلة في العدد ويبينه قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين»(5) إلى غير هذا مما وردت به الروايات وروي عن قوم من العلماء أنهم قالوا الأرض واحدة وهي مماثلة لكل سماء بانفرادها في ارتفاع جرمها وفي أن فيها عالما يعبد الله(6).

تفسير ألفاظ الآيات:

قيل: الطِّباقُ: مصدرُ طوبِقَت طِباقاً، وقال الزّجّاج: أي: مُطبِقٌ بعضُها علَى بعْضٍ، وفي قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً﴾[نوح: 15] سُمّيت بذلِك لمُطابَقَة بعْضِها بعْضاً أي: بعضها فوقَ بعض وقِيلَ: لأنّ بعضَها مُطْبِقٌ على بعضٍ(7).

وقال الرّاغِب: المُطابَقَة: من الأسْماءِ المُتضايِفَة؛ وهو أن يُجعَلَ الشّيءُ فوقَ آخر بقَدْره ومنه: طابَقْتُ النّعْلَ قال الشاعر:

إذا لاوَذَ الظِّلَّ القَصيرَ بخُفّه *** فكان طِباقَ الخُفِّ أو قَلَّ زائِدا

ثم يُستَعْمل الطِّباقُ في الشّيءِ الذي يكونُ فوقَ الآخَر تارةً وفيما يُوافِق غيرَه تارةً كسائِرِ الأشياءِ الموضوعة لمعْنَيَيْن ثم يُستَعمَلُ في أحدِهما من دونِ الآخر كالكأسِ والرّاوِية ونحوهما(8).

المثلية في آية الطلاق

جاء ذكر السماوات والأرض بهذه الصيغة أي بجمع السماوات وإفراد الأرض في مائة وثلاث وثلاثين موضع من القرآن، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: 33].

وقوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: 83].

وقوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾[النساء: 170]، وفي المائدة قال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: 17].

وكلها بهذه الكيفية، بل لا توجد آية واحدة جاء فيها ذكر الأرض بصيغة الجمع، أما إفراد السماء وذكر الأرض معه فقد جاء في خمسة عشر موضعاً كلها يراد بها السماء الدنيا وذلك من خلال السياق الذي يدل على ذلك، فعلى سبيل المثال قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: 96] فالمراد بالسماء هنا السماء الدنيا لأنه يتحدث عن بركات السماء وهو الماء، وكذلك القول في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31]، ومثله ﴿أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [النمل: 64] فنجد أن القرآن وهو في معرض حديثه عن القدرة الإلهية العظيمة يذكر السماوات السبع كلها، في معرض حديثه عن الرزق والعلم، ويفرد الأرض.

ولا أعتقد أن هناك فهما آخر لما يفهمه كل سامع أو تالي لهذه الآيات من أن السماوات سبع والأرض واحدة وإلا لما كان لهذا التغاير في الكيفية معنى آخر سوى ما ذكرنا، ومن هنا كان لنا أن نقرر أمرا وهو طالما أن السماوات سبع والأرض واحدة فكيف يمكن أن نفهم قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾[الطلاق: 12] إذا قلنا أن الضمير في ﴿مِثْلَهُنَّ﴾ يعود إلى أقرب مذكور وهو قوله ﴿سَبْعَ سَمَوَاتٍ﴾ فهل الأرض مثل السموات في كل شيء أم في ما ذكر قبله وهو لفظ السبع؟ فإذا كانت المثلية لا تقتضي التشابه في كل شيء فكيف نفهم تماثل الأرض للسماوات وعلى أي أساس يمكن أن نستنتج التشابه؟ هنا لا بد لنا أن نقتصر على ما ذكر من صفات للسموات فنكتفي بها في مطابقتها للمشبه، ومن الصفات التي ذكرها الله عز وجل للسموات هي صفة السبع وإن كان لفظ (السبع) في محل مفعول به إلا أن هذا اللفظ هو بمثابة الصفة للسموات فهي سبع لا أزيد من ذلك ولا أقل بنص من خالقها سبحانه وتعالى، والصفة الأخرى هي (طباقا) ولكنها جاءت في موضع آخر.

إذن يمكن أن نقول أن الأرض سبع كالسموات لقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ بعد قوله عز وجل: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ﴾ لكن لا يمكننا أن نجزم بأنها سبع طباق كالسماوات، وهذا ما يعبر عنه عند أهل الأصول قطعي الثبوت ظني الدلالة، فالنص قطعي الثبوت لأنه كلام الله ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾[فصلت: 42] وأما ظني الدلالة فلأن النص لا ينص حقيقة على طباق الأرض وإنما يفهم من إخبار الله عن الأرض ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾.

فلو جئنا بتوأمين أحدهما اسمه عمرو والأخر زيد وقلنا أن عمرا مثل زيد، فهل يفهم السامع أنه مثله في كل شيء؟ بالطبع لا لأنه عقلا لا يمكن أن يتشابه الأخوان في كل شيء وإن كانا توأمين من بطن واحدة، وهذا ما لا يختلف فيه اثنان فهما مختلفان في الطباع والأمزجة والميول والرغبات وغير ذلك، ولعل هذا ما أثبته العلم الحديث بشكل أدق لما منَّ الله على أهل العلم في هذا المجال من وسائل علمية حديثة ساعدتهم على إدراك هذه المفاهيم وتأكيدها.

ولكن المعنى الأقوى لمفهوم الآية المتقدمة هو أن الأرض مثل السماوات، فالسماوات سبع والأرض سبع والسماوات متكونة من طبقات والأرض كذلك، لأن النص جاء بذكر صفة السماوات بأنها على شكل طباق، ولعل قوله صلى الله عليه وآله وسلم يدعم هذا الرأي ويزيده حجة ودلالة حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين»(9)، فلا يمكن أن يكون المعنى أن الظالم يطوق بسبع أراض كل واحدة منها في مكان ما، إذن لا بد أن تكون الأرض متكونة من طبقات سبع بعضها فوق بعض أو يحيط بعضها ببعض، وهذا ما سنشير إليه في موضوع العلم وطبقات الأرض.

وهذا الحديث يدعم هذا الرأي ويؤكده بقوة حيث حدّدت لنا الآية الأولى صفتين للسماوات وهما: عدد هذه السماوات وهو سبعة، وشكل السماوات وهي (طِبَاقًا) أي طبقات بعضها فوق بعض، أما الآية الثانية فقد أكدت على أن الأرض تشبه السماوات فعبَّر عن ذلك بقوله: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ فكما أن السماوات هي طبقات، كذلك الأرض عبارة عن طبقات، وكما أن عدد طبقات السماوات هو سبعة، فكذلك عدد طبقات الأرض هو سبعة أيضاً(10).

وتأتي الحقيقة العلمية، فإذا جاءت الحقيقة العلمية موافقة لما في النص ذي الدلالة الظنية صار هذا النص قطعي الدلالة بعدما كان قطعي الثبوت، وزال عنه الغموض الذي لم يفهمه المفسرون في وقتهم لامتناع وجود الحقيقة العلمية في زمانهم.

العلم وطبقات الأرض:

لا يزال العلماء يعلمون النزر اليسير عما حوته هذه الأرض من أسرار في داخلها، لأنهم لم يتمكنوا من النفاذ إلى داخلها إلا لعمق لا يزيد على 13 كيلو متر، مع العلم أن قطر الأرض يبلغ أكثر من 12.7 ألف كيلو متر، أي أنهم لم ينفذوا إلا لمسافة تقدر بواحد على الألف من قطر الأرض!! ويؤكدون استحالة اختراق طبقات الأرض ومعرفة التركيب الحقيقي لها، والسبب في ذلك هو أن درجة الحرارة ترتفع بشكل كبير مع العمق، ويزداد الضغط بشكل هائل، فلا يمكن لأي آلة أن تتحمل مثل هذه الحرارة أو الضغط مهما بلغت من الصلابة(11).

ولكن عندما بدأ العلماء بسبر أغوار الأرض وبذل الجهود لمعرفة أسرار بنيتها وتركيبها، وجدوا أن الأساطير والخرافات التي سادت في العصور السابقة ليس لها أي أساس علمي، وبعد أن اكتشف العلماء أن الأرض عبارة عن كرة؛ اقترحوا أن باطن هذه الكرة يتألف من نواة، وسطح الأرض عبارة عن قشرة أرضية رقيقة جداً مقارنة بحجم الأرض، وبينهما طبقة ثالثة هي الوشاح، وهكذا قرر علماء القرن العشرين أن الأرض عبارة عن ثلاث طبقات فقط.

ولكن نظرية الطبقات الثلاث للأرض لم تدم طويلاً بسبب الكشوفات الجديدة في علم الأرض، فالقياسات والاختبارات الحديثة أظهرت أن المادة الموجودة في نواة الأرض ذات ضغط هائل يبلغ أكثر من 3 ملايين مرة الضغط على سطح الأرض، وفي ظل هذا الضغط سوف تتحول المادة إلى الحالة الصلبة، وهذا يعني أن قلب الأرض صلب جداً! وتحيط به طبقة سائلة ذات درجة حرارة عالية جداً، وهذا يعني أيضاً أن هنالك في باطن الأرض طبقتين وليس طبقة واحدة، أي طبقة صلبة في المركز تحيط بها طبقة سائلة(12).

ثم تطورت أجهزة القياس وأظهرت للعلماء تمايزاً واضحاً بين أجزاء الأرض الداخلية، فلو نزلنا تحت القشرة الأرضية رأينا طبقة أخرى من الصخور الملتهبة، هي الغلاف الصخري، ثم تأتي بعدها ثلاث طبقات أخرى متمايزة من حيث الكثافة والضغط ودرجة الحرارة.

ولذلك وجد العلماء أنفسهم يصنفون طبقات الأرض إلى سبع طبقات، ولا يمكن أن تكون أكثر من ذلك، والشكل المرفق يوضح هذه الطبقات مع أبعادها حسب ما وجده العلماء حديثاً، وهو من الحقائق اليقينية التي يدرسونها لطلابهم في الجامعات، والتي يشاهدونها من خلال مقاييس الزلازل ومن الدراسة النظرية للحقل المغنطيسي للأرض وغير ذلك.

لقد وجد العلماء أيضاً أن الذرة تتألف من سبع طبقات، وهذا يؤكد وحدة الخلق، فالنظام الذي يحكم الكون كله واحداً، فالأرض سبع طبقات، وكل ذرة من ذراتها سبع طبقات أيضاً.

إن طبقات الأرض السبعة تختلف اختلافاً جذرياً من حيث تركيبها وكثافتها ودرجة حرارتها ونوع المادة فيها، ولذلك لا يمكن أبداً أن نعتبر أن الكرة الأرضية طبقة واحدة كما كان الاعتقاد سائداً في الماضي، وهنا نجد أن فكرة الطبقات الأرضية هي فكرة حديثة نسبياً، ولم تكن مطروحة زمن نزول القرآن الكريم(13).

رسم يوضح طبقات الأرض السبعة، ونلاحظ فيه قشرة رقيقة ثم يليها أربع أوشحة متدرجة السماكة ثم تأتي النواة الخارجية السائلة والنواة الداخلية الصلبة، ويكون المجموع سبع طبقات.

 طبقات الأرض السبعة

نلاحظ من خلال هذا الرسم الذي تم بواسطة علماء أمريكا أنهم يقسمون الأرض إلى سبع طبقات، ولا يمكن أن تكون أكثر من ذلك، لأن كل التجارب والقياسات المأخوذة بواسطة أدق المقاييس يؤيد هذا العدد، ولذلك يمكن اعتبار أن الأرض هي سبع طبقات بعضها فوق بعض(14).

وهذه الطبقات يمكن تسميتها حسب الترتيب: القشرة. الغلاف الصخري. نطاق الضعف الأرضي. الوشاح الأعلى. الوشاح الأدنى. النواة الخارجية. النواة الداخلية، ولو رجعنا إلى الحديث النبوي الذي في أول بحثنا هذا لوجدناه يؤكد وجود سبع أراضين، أي سبع طبقات تغلف بعضها بعضاً، يقول صلى الله عليه وسلم: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين»(15) فقد فسّر صلى الله عليه وآله وسلم صفة الطباق بصفة ثالثة وهي صفة الإحاطة بقوله عليه صلوات الله وسلامه عليه: «طوقه من سبع أرضين» والتي تعني التطويق والإحاطة من كل جانب كما في معاجم اللغة، وهذه فعلاً هي حقيقة طبقات الأرض التي يطوّق بعضها بعضاً.

وإذا تأملنا في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ نجد هذه الآية أنها تخبر بأن القمر يقع داخل هذه السموات من خلال قوله: ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ﴾ أي في داخل هذه السموات (فِيهِنَّ)، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كانت السَّموات بعضها فوق بعض والقمر والشمس والأرض أي المجموعة الشمسية تقع في الداخل، وهذا ما يراه العلماء اليوم حيث يقولون إن مجرتنا تقع تقريباً في مركز الكون وليس على حافة الكون، وإذا نظرنا في كل الاتجاهات من حولنا نرى مجرات بعيدة كلها تقع على نفس المسافة تقريباً، وهذا معنى آخر يؤكد أن الأرض طباقا كالسماوات(16).

فهرس

وجه الإعجاز:

في قوله تعالى: ﴿طِباقاً﴾، والتي توحي بوجود طبقات، توافقا دقيقا بين نص الوحي المنزل على قلب النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم، وبين ما ثبت كحقيقة علمية لا تقبل الجدال، وما اكتشفه العلماء اليوم من أن الأرض عبارة عن طبقات أي Layers يقودنا إلى الاستنتاج بأن القرآن قد حدّد شكل الأرض وهو الطبقات، وحدد أيضاً عدد هذه الطبقات وهو سبعة، أي أن القرآن قد سبق علماء القرن العشرين إلى الحديث عن حقيقة الأرض بأربعة عشر قرناً.

ومن هنا كان اختلاف المفسرين لهذه الآية متغايرا بينهم متباينا في المعنى، وعليه كان هذا الاختلاف بحد ذاته فيه إعجازا علميا عجيبا، ذلك لأن هذا الكلام لو كان من عند بشر لفسره بما أوتي من علم ويدلل على كلامه هذا بالدليل، فإما أن يصيب ويكون معه الحق وإما أن يظهر كذبه وادعائه، أما وقد ظل هذا النص على حاله من غير تبديل ولا تحريف إلى يومنا هذا ثم يجيء من يخبرنا بصدق هذا الخبر بعد قرون عديدة صار ذاك الخبر إعجازا على صدق قائله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لا ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى من عند الله سبحانه(17).

إن القرآن الكريم والسنّة النبوية قد سبقا العلم الحديث لهذه الحقيقة العلمية، بل إن القرآن قد أعطانا التسمية الدقيقة لحقيقة تركيب الأرض من خلال كلمة (طباقاً) وأعطانا العدد الدقيق لهذه الطبقات وهو سبعة، بينما العلماء استغرقوا سنوات طويلة وغيروا نظرياتهم مرات عدة ليخرجوا بنفس النتائج الواردة في كتاب الله وسنة رسول الله، فسبحان الله العلي العظيم القائل في كتابه المجيد: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾[الذاريات: 20-21].

ففي القرن العشرين يأتي العلماء ليخبرونا أن الأرض سبع طبقات وذلك بعد أن غيروا وبدلوا رأيهم مرات عديدة، ولكننا في نفس الوقت نقرأ في كتاب أنزل في القرن السادس الميلادي أن الأرض سبع طبقات، وهذا الكلام لم يتغير ولم يتبدل منذ نزوله وحتى يومنا هذا.

أليس هذا دليلاً على أن الله الذي أنزل القرآن يعلم أسرار السموات والأرض؟ وأنه قد أحاط بكل شيء علماً؟ قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [فصلت: 52-54].

إعداد: قسطاس إبراهيم النعيمي /مراجعة: علي بلعجم

 

صحيفة ليبيا السلام الالكترونية

نبذة عن -

اترك تعليقا