المسجد الإماراتي في القدس.. أبديل الأقصى؟!
بتاريخ 30 نوفمبر, 2014 في 02:31 مساءً | مصنفة في مقالات | لا تعليقات

217_jpg

اعتقلت الحكومة الأردنية أحد قادة الإخوان المسلمين بعد تصريحه بأن دولة الإمارات تقف ضد مشروع التحرر العربي بالتعاون مع الأمريكان ولخدمة الصهيونية في إسرائيل. كما وجه القيادي المُعتقل إتهاماً حاداً لحكومة أبوظبي مدَعياً بشراكتها مع إسرائيل في التمهيد لهدم المسجد الأقصى من خلال بناء مسجد بديل في القدس، ومن أجل إفساح المجال لبناء الهيكل اليهودي على أرض المسجد الأقصى!.

كما تم تشكيل هيئة دفاع خاصة ضمت أكثر من مئة محامي، تُطالب بالإفراج عن القيادي المُعتقل، وصرحت اللجنة الدفاعية بأن التُهم المُوجهة غير مُبررة، وأنها تتعارض مع حرية الرأي والتعبير وفقاً للدستور الأردني.

ولست هنا بصدد النقاش حول حرية الرأي ودستورية قرار الإعتقال، حيث لاشك أن هيئة دفاعية بهذا الحجم لها مبرراتها ومُسَوغاتها القانونية، ولكن ماذا سوف تكون إجابة هذه الهيئة على سؤال المحكمة الأردنية حول أدلة القيادي المُعتقل بأن دولة الإمارات تتعاون مع إسرائيل لهدم المسجد الأقصى من أجل بناء الهيكل اليهودي؟!. أم أن حرية الرأي كفالة دستورية لكل مواطن بما يقول ويفعل، وإن كان على حساب الأمانة المهنية والأخلاقية في النقل والتحليل.

وسؤالي المُوجه؛ أين هؤلاء جميعاً وقت صدور قرار بناء المسجد الإماراتي في مدينة القدس قبل عدة سنوات؟!، ولماذا استثنى القيادي المُعتقل مشروع بناء المسجد الإماراتي من حزمة مشاريع إماراتية خيرية في القدس، ومنها تسليم الإمارات لمجموعة من تُجار البلدة القديمة مساعدات مالية لدعم صمودهم أمام الضرر الذي تُسببه إسرائيل لهم، أليس هذا طريق النفي لشُبهة المسجد البديل عن الإقصى، قطعاً على الأغلب.

إن الإتهام المُوجه ضد دولة الإمارات ما هو إلا نتاج خلل في فهم قضية الأقصى، وعليه إختلاف مناهج الحلول المُناسبة للقضية الفلسطينية، ونحو قراءة سريعة ومُختصرة حول ذلك.

فالمسجد الأقصى بالنسبة لليهود هو أمر عقائدي، وما تقوم به على الساحة السياسية منذ نشأتها ليس إلا محاولات لجذب ولإستقطاب الدول غير العربية، وذات الأغلبية المسيحية، نحو قضيتها مع المسلمين في بناء الهيكل اليهودي على أرض المسجد الأقصى. فكانت النتائج إيجابية بعض الشيء من حيث توفير الدعم الدولي (المسيحي) لأمن إسرائيل على المستوى السياسي والقومي، ولكن ما زال مسيحيو العالم غير مكترثين بقضية الهيكل اليهودي، أو على غير قناعة، وهناك الكثير من الأسباب، قد يكون أهمها هو إنتشار العلمانية بين شعوبهم، وتغليب المصالح المادية على حساب مُعتقداتهم المسيحية.

وتبعاً لأولويات ملف الأقصى على الصعيد السياسي، فقد أخطأ العرب في قبول تصنيف ملف الأقصى في الركن السياسي فقط ودون العقائدي، فقد تحولت القضية من تحرير المسجد الأقصى إلى المطالبة بالقدس كعاصمة سياسية لدولة فلسطين.

والشاهد هنا أن العلمانية الأوروبية كانت عاملاً سلبياً على إسرائيل في عدم جعل الهيكل اليهودي أولوية في سياسات الدول المسيحية، بينما كانت العلمانية العربية عاملاً إيجابياً على إسرائيل، فقد ساعدت العلمانية العربية على تحويل قضية الأقصى من إسلامية إلى عربية ثم حصرها بحقوق الفلسطينيين فقط دون بقية العرب والمسلمين، والذين يطالبون بقدس سياسي لا إسلامي.

و على صعيد الإحتكاك المباشر بين المسلمين واليهود، فنظرة الشريعة الإسلامية لقضية المسجد الأقصى مرنة وغير مُعقدة، فالأقصى ليس إلا فضاءاً لبقعة معينة في مدينة القدس، وحرمة هذا الفضاء ليس له علاقة بالبناء والجدران، ومهما علت هذه البقعة فوق الأرض أو انخفضت، لن يزيد أو ينقص من أهميته وفضله عند المسلمين. كما أجازت الشريعة الإسلامية للحاكم السياسي توسعة الحرم دون قيود إذا اقتضت المصلحة العامة.

وبذلك تدرك اسرائيل أن هدم المسجد الأقصى هو ليس نهاية الأقصى، وأن فضله عند المسلمين باقٍ بفضائه الذي لا يُمكن خلعه من الوجود الجغرافي، كما أن بناء الهيكل اليهودي مكانه لن يوقف المسلمين عن المطالبة بأرض الأقصى، بل سوف يعملون على إزالة الهيكل اليهودي لإعادة بناء الأقصى من جديد.

لذلك عمل البعض على نقل مفاهيم الأقصى من المرونة إلى التعقيد، ومن السعة إلى التضييق، من خلال نشر بعض المفاهيم الخاطئة، ومنها أن المسجد الأقصى يحده جدران البناء فقط، ووجود الأقصى مرهون بوجود البناء الخارجي له، وعلى مدار العقود الماضية تحولت الفكرة وضاقت بعض الشيء، فبعد أن كان المسجد الأقصى لا بديل عنه كفضاء يُستحال فناؤه، أصبح الأقصى لا بديل عنه كجدار بنيان يُمكن هدمه. فإسرائيل لن تهدم الاقصى قبل إعتقاد العرب والمسلمين بأن هدم جدران المسجد الأقصى  هو نهاية قصة لمسجد اسمه الأقصى.

وحول الأولويات في الدفاع عن المسجد الأقصى، حيث أخذت النظرية الإسلامية في أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله تعالى من حرمة بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وبكل تأكيد أن حرمة دم المسلم أعظم من المسجد الأقصى، رغم منزلته العظيمة السامية، ومكانته الرفيعة عند الأمة العربية والإسلامية. لذلك تنظر النظرية الإسلامية إلى المسلم لكيانه الفردي، وأهمية تمسكه بفكره وتراثه الإسلامي، ليكون نموذجاً واضحاً في المجتمع الإنساني كصورة إسلامية.

لذلك وقع الخلل بين توافق النظرة الحقيقية للشريعة الإسلامية لمفهوم الأقصى مع فهم وتطبيق البعض، والأحزاب الإسلامية ليست ببعيدة عن هذا الخطأ، فبعد أن تنازلت حركة فتح الفلسطينية عن أكثر من نصف أرض فلسطين لليهود من أجل أن تكون القدس عاصمتهم السياسية، لحقت بهم حركة حماس بمفهوم الموت لجميع الفلسطينيين من أجل الأقصى. فدعوة حماس الأخيرة بحمل السكاكين لقتال الإسرائيليين وتأييدها لعمليات الدهس العشوائي في مدينة القدس، ما هي إلا دعوة عشوائية، ولا تتوافق مع النظرية الإسلامية في تقديم حفظ دماء المسلم على كل مساجد الأرض.

 وخلاصة القول: أن الدور الإماراتي في فلسطين من بناء المساجد وتوزيع الأموال يتوافق مع فهم متطلبات الحياة الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني بحاجة إلى من يحفظ فكره وتراثه عبر المساجد والمدارس والمستشفيات، فالصمود الثقافي والعلمي ضمن بيئة عقائدية سليمة هو النجاح الحقيقي للشعب الفلسطيني، وهو طريق التحرر، فالشريعة الإسلامية أولت جُل إهتمامها لتحرير العقول، والعقل السليم هو من يقود الأرض ومن عليها.

وليكن المسجد الإماراتي الجديد في القدس بديلاً عن النظرة التقليدية، والتي تعتقد بأن المسجد الأقصى أصبح خلافاً أسطورياً وأثرياً بين المسلمين واليهود، لذا فهي رسالة واضحة للجميع بأن مدينة القدس هي مدينة إسلامية بكل جوانبها، والصلاة فيها غير محصورة في المسجد الأقصى، فالمسجد الحرام محاط بعشرات المساجد، فكيف نُفرغ مدينة القدس من المساجد بحجة الحفاظ على الأقصى؟!، فمدينة القدس هي مدينة الصلاة، وغير قابلة للتقسيم حسب معطيات التاريخ المزعوم.

بقلم/ د. بلال الصبّاح ؛ كاتب سياسي عربي مقيم في جمهورية جنوب إفريقيا، وباحث في الشؤون الإفريقية

صحيفة ليبيا السلام

نبذة عن -

اترك تعليقا