ليبيا ليست في حاجة إليكم
بتاريخ 10 سبتمبر, 2012 في 09:00 مساءً | مصنفة في مقالات | لا تعليقات

ليبيا وطن قد يغفر، وقد لا يغفر، لكنه حتما لا ينسى

دماء الشهداء التي روت بلادنا، ما زالت ساخنة، وما زالت رائحتها الزكية الطاهرة، تفوح في اجواء جبال وصحاري ومدن وقرى وارياف وبحار ووديان وهضاب وسهول ليبيا. لم تجف دماء شهدائنا بعد. ولم تجف دماء الجرحى، فما زالت مستشفيات ليبيا، ومستشفيات العالم، تضم خيرة شباب الوطن، ممن لم تلتئم جراحاتهم بعد. وما زلنا نكتشف، من حين الى اخر، وحتى يومنا هذا، مقبرة جماعية هنا، ومقبرة اخرى هناك. ما زلنا ايضا، نتحدث عن المفقودين، بمرارة وحرقة واحزان. ما زلنا نعيش هذه الاجواء، اجواء الثورة، ومع ذلك، يستعجل البعض صناعة الطواغيت. واحياء عبادة الفرد. وتبجيل الاشخاص. ونسج الاوثان. ونقش الاصنام البشرية.

لقد دخلت الثورة الليبية التاريخ، وابهرت العالم، كاحدى اعظم الثورات، ليس في جانبها القتالي فقط. هذه شهادة الجميع، بالرغم من اننا لا نحتاج الى شهادة احد. هذه شهادة الليبي، وغير الليبي، الاشتراكي، واليساري، والليبرالي، والاسلامي، العربي، وغير العربي، المسلم، وغير المسلم، الكافر، والملحد، اهل الكتاب، واهل غير الكتاب، السني، والشيعي، الاسيوي، والامريكي، والاوروبي، الاغنياء، والفقراء، المتعلم، وغير المتعلم، المثقف، وغير المثقف، الصغير، والكبير، الاطفال، والنساء، والرجال، والشباب، العدو، والصديق، قادة، ورؤساء دول، هيئات، وجمعيات، ومنظمات عالمية، المجتمع الدولي برمته، الجميع شهدوا بذلك. لقد قدر قيوم السموات والارض، لهذه الثورة، ان تنتصر، فانتصرت. ليس ذلك فحسب، بل قدر لها الله، ان تكون احدى اعظم الثورات، فكانت.

وبالرغم مما سبق، وبالرغم من الاف الضحايا، والجرحى، والشهداء، والمفقودين، وبرغم التضحية، والايثار، والتسابق على الخير، والشجاعة، والبطولة، والفداء، والاقدام، الذي ميز هذه الثورة العظيمة، بشهادة العالم باسره، وكما ذكرنا – بالرغم من كل ذلك – يصر البعض، بوعي، او بغير بوعي، بنية حسنة، او بسوء نية،  بخبث، او ادراك، او بغير ادراك، بغباء، او سهو، او نسيان، او باستغباء، يصر البعض، على التعامل مع الثورة، كمشروع وقفت ورائه شلة من الطرزانات، لولاها  – لولا شلة الطرزانات- لما كانت الثورة.

فلولا زيد، ما تحررت طرابلس، ولولا عبيد، ما صمدت الزاوية، ولولا عمرو، ما قامت للثورة قائمة، ولولا يزيد، ما صمدت مصراتة، ولولا اخناتون، ما تحررت بنغازي، ولولا فلان، ما نجحت الثورة، ولولا فلان الاخر، ما اعترف بنا العالم، ولولا علان، ما وصل الدعم الدولي، ولولا علان الثاني عشر، لانتصر معمر، وهكذا دواليك. يردد البعض ذلك، بينما رائحة دماء الشهداء، الذين صنعوا الثورة، ما زالت، وكما قلنا، تفوح في سماء حياتنا، ونفوسنا، وعقولنا، وقلوبنا، واركان بلادنا.

فيروس الطرزانات، لم يتوقف عند ادعاء صناعة  الثورة، او عند محاولة سرقتها، سرقة ادبية، على الاقل، فقد وصل هذا الفيروس، الى مستقبل ليبيا ايضا، فمن سيقود ليبيا؟ ومن سيحكمها؟ ومن سيوجهها؟. وعلى نفس المنوال والنغمة والموال، موال صناعة الطواغيت، وموال صناعة الطرزانات، وموال التحقير والتصغير، والتقزيم، والتهميش، لشعب كامل، ومحاولة اقصائه من حق صناعة الثورة.

على نفس هذا المنوال والنغمة والموال، انطلقت نفس الاصوات، تنعق بنفس الالحان، القبيحة المزعجة النشاز. ففلان هو الوحيد الذي يستطيع ان يقود ليبيا، وعلان عنده من الشهادات ما ان تنو بحمله الارفف والادراج، وفلان الاخر عبقري زمانه، وعلان الاخر خبير العصر، وفلان الثالث قمة في الاستراتيجيات، وعمرو هو الوحيد الذي يستطيع ان يقود البلاد الى بر السلامة والامان، وزيد هو المنقذ الوحيد، وعبيد هو الرجل الوطواط، بل سوبرمان الذي سينتشل الوطن من الضياع.

وهكذا دواليك، تهميش، وتهميش، وتهميش اخر، لعشرات الالاف، من الليبيين والليبيات المبدعين، والعباقرة، والمتفوقين، والقادرين، والمقتدرين، في جميع المجالات.

تهميش واقصاء لعشرات الالاف من الاجيال الجديدة، والدماء الجديدة، والوجوه الجديدة، الذين يناسبون الثورة الليبية الجديدة، ويناسبون ليبيا الجديدة. تهميش لمئات الالاف، من المخلصين، والمحبين للبلاد،  والعباد، والغيورين على ليبيا، واهل ليبيا، وتاريخ ليبيا، وحاضر، ومستقبل ليبيا، وعقائد، وتقاليد، واعراف ليبيا. تهميش لعشرات الالاف من القادرين على قيادة ليبيا، والسير بها الى بر الامان. واسألوا ان شئتم، ارقى جامعات العالم، وارقى المستشفيات، والمعاهد، والهيئات، والمؤسسات، والشركات، اسألوا الماضي،  والحاضر، والتاريخ، في الداخل والخارج، فسترون ان ليبيا، لم تعقم يوما، ولن تعقم ابدا، باذن الله.

ليبيا لديها عشرات الالاف من الشباب والشابات، من الوجوه الجديدة، والدماء الجديدة، شخصيات طموحة، راقية، مبدعة، متفوقة، في جميع المجالات، في الاقتصاد، في التاريخ، في الادارة، في التنمية البشرية، وفي التنمية العامة، في الثقافة، في العلوم، في التعليم، في الطب، في عالم البنية التحتية، في الهندسة، في الزراعة، في الاعلام، في السياسة، في الاجتماع، في القيادة، في التعمير، في الاعمار، في البناء، في التطوير، في شتى المجالات. ليبيون لا اول لهم، ولا اخر، يحتلون اهم المواقع العلمية، والاجتماعية، والسياسية ، والاقتصادية، في الداخل والخارج.

ليبيا، اذا، ليست في حاجة الى من يمن عليها، بموقف، او مواقف، او مقدرة، او مهنة، او شهادة، او خبرة، خاصة اذا جاء هذا المن، ممن كانوا يجب ان يعتذروا للشعب الليبي، بسبب دعمهم ومساندتهم للطاغوت ونظامه، وابنائه. وممن يجب ان يمثلوا امام المحاكم، لاثبات عدم تورطهم، في سرقة اراضي، او سرقة بيوت، او مزارع، او مشاريع، او اموال، او تورط في فساد، او تورط في عمليات وشاية، او اعتقال، او اعدام، او اغتيال، او تعذيب، تخطيطا، او تسترا، او تغاضيا، او مباركة، او تنفبذا، او تسهيلا.

 ففي الوقت الذي كان الليبيون يعذبون بمقامع من حديد، ويصب عليهم من العذاب، في معتقلات الطاغية، ما لا يطيقه الحجر والحديد والصخر، وعندما كان ابناء الوطن يعانون من قمع وتنكيل واستبداد الطاغوت، وعندما كانت المشانق تنصب لفلذات اكباد ليبيا، وعندما كان رجال الوطن يشنقون ويقتلون وبعدمون ويعذبون، كان بعض الذين يحاولون ان يصنعوا من انفسهم اصنام جديدة، وبعض الذين يحاولون سرقة الثورة، وبعض الذين يمنون اليوم على الوطن، بخبرة، او شهادة، او كلمة، او همسة، او موقف – كانوا- يجلسون على الارائك مع الطاغية، وزبانية الطاغية، وذرية الطاغية، يضحكون ويمرحون ويشربون ويمزحون. الذين يصنعون من انفسهم اليوم عباقرة العصر، لا يمكن انقاذ الوطن الا على ايديهم، كانوا جزء من التمكين للنظام السابق. بل منهم من كان يبرر ممارسات مؤسساته القمعية، ويؤسس معه لجانه الارهابية، التي انهكت البلاد والعباد، في الداخل والخارج، وشاية ومراقبة وتضييقا ومطاردة وقتلا وتعذيبا.

فالى الذين يمنون على الوطن، نقول، ان ليبيا ليست في حاجة اليكم، ولا الى بطولاتكم المتأخرة، ولا الى عبقريتكم النادرة، فمن صنع موقفا فلنفسه، وعليه ان يشكر الوطن، لان الوطن سمح له اصلا، ان يصنع موقفا. ناهيك عن ان بعض المواقف الطرزانية، مازال  يشوبها الشك والريبة والغموض، حتى يومنا هذا. وستثبت الايام ذلك.

الوطن لا يحتاج اليكم، انتم تحتاجون الى الوطن، انتم في حاجة الى ان تعتذروا للوطن. لا ان تقودوه. الثورة كانت في طريقها الى اكتساح الطاغوت، ومن والاه، بكم او بدونكم. بالمجتمع الدولي، او بدون المجتمع الدولي، هكذا اراد لها الله. الليبيون لم يستاذنوا من احد، عندما دمروا الدولة العبيدية، ولم يستاذنوا من ا حد، عندما حرروا بلادهم من ابشع واقبح واسواء استعمار، ولم يكن في نيتهم ان ينتظروا او يستاذنوا او يعتمدوا على احد، في ثورتهم هذه، الا الله. تدخل العالم، او لم يتدخل. فكفاكم غرورا، وكفاكم استخفافا بالاحياء والشهداء والضحايا والاموات. الثورة انطلقت كسيل عرم، لا تبالي باحد، ولم يكن لاحد طاقة للوقوف ضدها، كائن من كان.

الثورة صنعتها دماء الشهداء، صنعتها دموع ومآسي واحزان ومعاناة الارامل واليتامي والبؤساء والثكالى، صنعتها المقاومة، صنعتها معاناة شعب لاربعة عقود كاملة ويزيد. اربعة عقود من الظلم، القمع، والتنكيل، والارهاب. الظلم الذي وقع على ليبيا، وعلى اهل ليبيا، كان  وقودا للثورة.

فالزموا حدودكم، فليبيا، مرة اخرى، ليست في حاجة اليكم، ولن تحتاج ابدا اليكم. ليبيا في حاجة الى من يتفاعل بحب، مع المواطن، والتراب، والوطن، لا تريد من يتفاعل مع الارقام، والعقود، والشركات، والدولارات، والاسمنت، والبدل، والكرافتتات، والميكروفونات، والشهادات. ليبيا تريد من يحبها، من يعطف عليها، ويفتخر بها، بماضيها، بحاضرها، بمستقبلها، بعاداتها، واعرافها، وتقاليدها، تريد من يحس بالام الناس فيها. ليبيا تريد من يحترق من اجلها. تريد من يرد لها الجميل، لا من يمن عليها.

فليبيا هي التي علمتنا، هي التي اعطتنا، هي التي احتضنتنا. ليبيا ام لنا جميعا، لا تريد من يسرق بريق ثورتها، من يختطف مجدها، من يهمش دماء شهدائها، من يسرق حاضرها، من يستغل طيبة وعاطفة وتسامح اهلها. ليبيا تريد من يحترق بحب وتواضع وصمت من اجلها. فان عصيتم او نسيتم او تناسيتم، فلا يفوتنكم، ان ليبيا وطن، قد يغفر، وقد لا يغفر، لكنه، حتما، لا ينسى. والله من وراء القصد.

د. فتحي الفاضلي

fathifadhli@yahoo.com

لزيارة صفحة الكاتب على الفيس بوك

www.facebook.com/fathilibya

ليبيا السلام

نبذة عن -

اترك تعليقا