ليبيا الجديدة بين انعقاد المؤتمر الوطني ودور منظمات المجتمع المدني
بتاريخ 25 يوليو, 2012 في 12:03 صباحًا | مصنفة في مقالات | لا تعليقات


بعد انتهاء الانتخابات وما سيتم استكماله من نظر في الطعون سيكون على الجمعية التأسيسية (المؤتمر الوطني) أن تنعقد لتشرع بالأعمال المناطة بها، وأولها: البحث في دستورية المسيرة بما يدعو لصياغة الدستور وعرضه على الشعب كيما يدلي بصوته في تبني ما يختاره من الصياغة في ضوء الدراسات القانونية المتخصصة. ومن الطبيعي في تلكم المسيرة أن تطفو أسئلة متنوعة إذ ليس المواطن بضليع في الصياغة القانونية ولكن مهمة إشاعة ثقافة قانونية من جهة وتوضيح طبيعة المواد الدستورية وأسباب اختيار صياغة دون أخرى ستبقى ذات أولوية في مهام الجهات ذات العلاقة سواء منها الرسمية أم منظمات المجتمع المدني الشعبية…

وإذا كان من الطبيعي أن تكون صياغة الدستور قائمة على متخصص في الفقه القانوني الدستوري وأن يتم الابتعاد عن توجيه الدستور توجيها سياسيا حزبويا فإنه بالمقابل لابد من مشاورة منظمات المجتمع المدني المتخصصة في قراءاتها لأية صياغة. وسيكون من الضروري لتلك المنظمات أن تراجع مشروع الدستور بالاستناد إلى استعانتها بالفقهاء في القانون تحديدا تخصص القانون الدستوري الأسمى أو نص الدستور.. على أن المتخصصين وتلك المنظمات ليست المنتهى ولكنها الأداة في القراءة والمراجعة والحوار والجدل المؤدي إلى أفضل الصيغ المقترحة على الشعب ليتبناها…

ولن يكون من الصائب وضع الشعب أمام حزمة كاملة ليقول نعم أو لا؛ فالأمر الذي ربما يمرر موادا وفقرات تمثل ألغاما وعقدا قانونية إشكالية، بخاصة عندما يجري الخلط بين مهمة صياغة دستور دولة مدنية وبين خطابات أخرى مثل الخطابين السياسي أو الديني وكلاهما خلط كارثي النتائج.. إن هذا يدفع لضرورة عدم الاكتفاء بالخبراء والفقهاء القانونيين بل باللجوء إلى استشارات ومراجعات متخصصة في الوسط المنظماتي الممثل للنخبة في الشعب الليبي.. وربما تسنى وضع أكثر من خيار في صياغة بعض الأبواب تدرسها القوى الوطنية الديموقراطية وتراجعها ولكن الصياغة وكتابة النص لا تخرج عن سلطة خبراء القانون الدستوري بكل الأحوال.. وتوكيدا هنا فإنه يجب الامتناع عن ترك أية بصمة لظهور الخطاب السياسي أو غيره في النص الدستوري.. ذلك أن كتابة الدستور مثلما وصفة الطبيب لا يكتبها عامي أو غير متخصص، فمثلما العلاج يكتبه الطبيب حصرا، فإن الدستور يكتبه المتخصص بالقانون حصرا.

الأمر التالي ذو الأهمية في المسيرة التشريعية يكمن في الدور الرقابي من جهة وفي ممارسة السلطة باستقلالية تامة عن الجهات التنفيذية وبضمير وروح قانوني لا يقبل أي خلل أو مثلبة في أداء التنفيذية ولا يكتفي بمراجعة وراءها ولكنه يوجهها بحسب حاجات البلاد والعباد. ولكن الجمعية الوطنية (البرلمان) لا يمكن أن تؤدي المهمة لوحدها، وإنما يُنتظر من منظمات المجتمع المدني التفاعل إيجابا بتقديم الخطط القطاعية ورسم الحاجات والمطالب والبرامج الضروروية واقتراحها على ممثلي الشعب من أجل تجسيدها بتشريعات واجبة..

من هنا وجب منذ اللحظة الأولى تفعيل الدور الرقابي الشعبي على الأعضاء في التشريعي وربطهم بجسور حوارية مخططة مع المؤسسات، من أجل الا يحيدوا عن المهام الوطنية الكبرى في رحلة التأسيس. ولربما كان من بين الأمور الأبرز مما ينتظر المعالجة هما إشكاليتان أولى سياسية تتعلق باختيار النظام السياسي فديرالي أو غيره وطبيعة اللامركزية المختارة.. ولا ينبغي التفكير هنا بسلبية خيار أو آخر ولكن ينبغي البحث في ملائمته للمرحلة أم لا وبحجم من يختاره شعبيا، والأمر سيكون فرصة لتعزيز الحوار الوطني ووحدة الكلمة فالجميع بـ نيّة البناء والتقدم.. أما الأمر المهم وذو الأولوية الأخرى فهو الاقتصاد من جهة أسبقيات البناء وإعادة الإعمار.

لابد هنا من التوكيد على بروز حقيبة التعليم والتعليم العالي توكيدا لبناء العقل الوطني العلمي وكذلك شؤون إدارة السوق بتفاصيله ومحاوره الكبرى وقضايا الصناعة والزراعة والسياحة وأسس تفعيل الإنتاج وتنويع مصادر الدخل القومي ما يساعد على تشغيل الأيدي العاملة ومعالجة البطالة ومشاركة قوى الإنتاج كافة من دون تعطيل وتبطل قد يترك فئة أو أخرى في حال من التهميش…

إن تلكم الشؤون ليست قضايا سجالية ولا مسؤوليات ترميها أطراف على أخرى بحجة التخصص أو أية ذريعة أخرى.. ولكنها قضايا عاجلة إن تم التلكؤ فيها فهذا سيعني لا شروعا بمسيرة فاسدة بل تعزيزا ومراكمة لأسباب الفساد الذي كان سببا في الثورة الشعبية من جهة وسببا أيضا في احتجاجات مما انطلق بُعيد انتصار الثورة…

إن انعقاد المؤتمر الوطني وتسلمه سلطة التشريع تعني مهاما وطنية كبرى، تعني مسؤولية شعبية عظيمة.. وتعني أن كل منتخبة ومنتخب لعضوية المؤتمر بات يحمل اليوم مشروعا وطنيا شعبيا متكاملا لا يمثل فئة أو مدينة أو قرية ولكنه يمثل ليبيا التي تحمي كل الفئات وتحمل آمالهم وتعالج آلامهم.. ولست هنا بمعرض التذكير بما في الشعب من جراحات خلفتها عقود من الاستلاب والمصادرة وشهور من الصراع الدموي الذي فُرِض على الثورة ودفع الشعب الليبي من دمه ووجوده التضحيات الجسام..

فهل ستتجه منظمات المجتمع المدني المحلية والقطاعية إلى تبنّي معالجات وطنية بمستوى الميدان الوطني الليبي الكبير أم ستبقى محدودة تهمش نفسها بنفسها قبل أن يهمشها استيلاد حيتان تصنعها بدايات خاطئة؟ ثقتي بوعي الليبيات والليبيين وبأن الجرح الذي أصابهم لا يمكن أن يترك مهملا بلا معالجة وبلا إرادة تتحدى بوعي ونضج برامج سنراها قريبا…

ومن حق الليبيات والليبيين أن يتقدموا في الميادين حيثما استدعت الظروف تفعيلا وتعديلا ومعالجة…

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

نبذة عن -

اترك تعليقا