الجماعات الإسلامية .. في الميزان ،و أغتيال اللواء عبدالفتاح يونس
بتاريخ 29 مايو, 2013 في 01:47 مساءً | مصنفة في مقالات | لا تعليقات

 

بعد ثورة فبراير، لوحظ تسارع كبير في نشاط الجماعات الإسلامية في ليبيا وهذا قد يعكس – وفق تصور البعض – حجم القبضة الأمنية التي مورست عليهم من قبل النظام السابق. فبرغم أن كثيراً من أفراد هذه الجماعات كانوا ضمن جموع الشعب الليبي منذ بداية الثورة، إلا أن ظهورها كجماعات تأخر بشكل واضح لسببين:

 الأول يمكن إرجاعه للحالة التي كانت عليها الدولة التي طغى عليها الطابع الوطني. والسبب الآخر – في تقديري – هو تهيئة نوع من القبول لهم عند المواطن العادي والمتعاطف معهم من الأساس وخدمهم في هذا تلاقي أهدافهم مع مطلب جموع الليبيين. فلذلك كانت كثير من الأعمال التي تنجز في ذلك الوقت، يتم صبغها بصبغة وطنية صرفة، وهو ما كان يحتاجه الناس في أشهر الثورة. فعندما اغتيل اللواء عبدالفتاح يونس – على سبيل المثال – سرت شائعة خيانته، فعظم دور قاتله وخبت أي محاولة لرد فعل انتقامي، ليتضح بعد ذلك أنه لم يكن إلا ثأراً شخصياً كأبعد ما يكون عن الوطنية. ونظراً لقابلية المواطن الليبي لأي شخص يعلن ولاءه للدين دون التمحص في فكره، فلم يجد كل هؤلاء أي صعوبة في نيل القبول من الليبيين، خاصة أن أي مقارنة سريعة بينهم وبين نظام القذافي ستصب في مصلحتهم بلا أدنى شك.

ساعد في هذا كله الدور المريب للإعلام، الذي تبنى كثيراً من المصطلحات الدخيلة، مثل السلفية الجهادية والإسلام السياسي وغيرها، وأصبح يبثها على مسامعنا صباحاً مساء. يحدث هذا في غياب المهنية عند كثير من القنوات، وكثير من المصداقية لدى أغلب مرتاديها. فتكرار سماع مثل هذه العبارات يصبح ما سواها نشازاً وإن كان هو الصواب، ويقتل بداخل المتلقي الإحساس بالنفور منها واستهجانها.

 فإلصاق مصطلح السلفية الجهادية على مجموعات لا نراها إلا وهي تقترف أعمال التخريب والقتل، هو أمر لا يراد به إلا التشويه. فإذا تبنينا تعريف السلفية بأنها إتباع النهج النبوي والسلف الصالح، فعلى هؤلاء أن يشهروا لنا أدلتهم وأسانيدهم فلعلنا نجد ما يبرر اغتيالاتهم وسرقاتهم بما لم تسعه عقولنا وأدركته أدمغتهم. أما إن كانت تحت مسمى الجهاد فعليهم إعلامنا من يجاهدون وسط مجتمع مسلم؟.

فما نعرفه أن الجهاد يكون جهاد دفع أو طلب، وما يفعله هؤلاء لا يقع تحت هذا أو ذاك، فماذا يفعلون إذاً؟!. وتحضرني هنا قصة رجل من الخوارج أوتي به للخليفة المأمون، فسأله ما حملك على الخروج علينا؟، فرد الرجل: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. فقال المأمون: فكيف عرفت أنها من التنزيل. فرد الرجل: من إجماع السلف عليها، فقال المأمون: أو تسمعهم في التنزيل ولا تسمعهم في التأويل؟!، حينها أسقط بيد الرجل وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين وانصرف. ما أريد قوله من ذلك، أن معظم هؤلاء يعرفون كل ذلك، ولكنهم يلوون رقبة الحق لتتمشى وهواهم، فهلا قرءوا قرءاناً في عاقبة إتباع الهوى!.

 إن كل هذا يجعلنا أمام سؤال مستحق عن الدوافع الحقيقة لكل من يقف خلف الترويج لهذا التصنيف، ويصر على الاستمرار في هذا اللغط. فإن لم يكن تشويها لمفاهيم عميقة كالسلف والجهاد، فما عساه أن يكون، أهو الضحك على شعب يسمع ويظنون أنه يصدق!.

 

هدف الإسلام السياسي جمع الحركات الإسلامية الساعية للسلطة بغض النظر عن الوسيلة ، بحجة فساد الحاكم وعدم حكمه بالشرع.

 

 أما الإسلام السياسي، فيراد به جمع الحركات الإسلامية الساعية للسلطة بغض النظر عن الوسيلة في ذلك، وحجتهم فساد الحاكم وعدم حكمه بالشرع. وهذا يجعلنا أيضاً نتساءل عن أهلية ومرجعية هذه الحركات بتنوعها. وبعيداً عن المسميات، فالسنة النبوية التي يفترض أنها ركيزة ثانية لهذه الجماعات (استناداً لأسمها) تعرض لنا رفض المصطفى عليه الصلاة والسلام لتولية أبا ذر بينما ولى ابن العاص – رضي الله عنهما – مثلاً مع سبق إسلام الأول عن الثاني. يستشف من هذا، أن الهدف ليس الحكم بحد ذاته وإنما إدارة شؤون الناس والعمل على تلبية احتياجاتهم، وهي مقدرة تتوفر في البعض ، بينما – بطبيعة الحال – لا تتوفر في البعض الآخر، ولكن المنتمون لهذه الجماعات الآن لا يظهرون لنا مثل هذه المعاني مما يجعلنا نضع خطوطاً تحت خلفيتهم الإسلامية، وصدق أهدافهم. ومن جهة أخرى، فلو كان الحكم يؤتى للأكثر تديناً، لكان أبو ذر أولى بالولاية، ولما بويع عبد الملك بن مروان وعلى الأرض مثل ابن الزبير والكل يقر بأفضلية الثاني على الأول. وأما عن فساد الحاكم، فنحن نسألهم لماذا رفض إمام أهل السنة الإمام ابن حنبل رحمه الله دعوات كثيرة للخروج على المأمون الذي خالف السنة بتبنيه القول بخلق القرآن، فهل عساهم يجيبون؟.

ألم يرسل الإمام أحمد الرسائل للمأمون ناصحاً ومذكراً، فهل فعلوا هم ذلك وأخلصوا النصيحة لحكامهم؟. فأصحاب هذه الجماعات ما انفكوا يمطروننا بمطالب، نعم هي شرعية، ولكنهم يفعلون لأنها توافق أيدلوجياتهم أولاً، ولهذا نراهم نائمون عن مطالب أخرى، هي شرعية أيضاً، ولكن لا تخدم فكرهم. من هذا يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله أتمنى أن يصل الدين لأهل السياسة لا أن يصل أهل الدين للسياسة. إن ما يعاني منه هؤلاء هي الهوة الكبيرة بين ما يقولون ويرجون وبين ما يفعلون ويدبرون، فكيف ينتظرون منا اقتناعاً!.

للأسف، لا يزال أعضاء هذه الجماعات يقايضون عطف الليبيين بسنواتهم في سجون ألقذافي وكأن لم يدخل تلك السجون إلا هم. وإذ بنا نراهم اليوم وهم يمارسون علينا دور الولي الفقيه والحاكم بأمر الله، فهم وحدهم المخولون بتطبيق شرائعه وكأنهم بين ثنايا شعب من الإسلام أعزل، في أحادية غريبة كأحادية القذافي، بينما كان الإمام مالك يقول: “لم أملك الصواب وحدي”، وذلك عندما عرض عليه الخليفة المهدي فرض الموطأ على الناس. ففي ظل مجتمع كالمجتمع الليبي كله يدين بالإسلام، لا يجب أن يكون فيه من يزايد أحد على آخر باسم الدين برفع شعاراتٍ لو يحثنا عنها فيما بينهم، لما وجدنا من يطبقها إلا من رحم ربي. فالرجل الذي قال عن نفسه لست بصاحب كثير صيام أو صلاة، شهد له المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة لأنه ينام ولا يحمل في قلبه ضغينة على مسلم، فهل سيخبرنا أصحاب التيارات الإسلامية (وفق تعبيرهم) كم من الضغائن يحملونها على كل من لا يقع تحت لوائهم من أبناء وطنهم المسلم؟. بالطبع لن يجرؤا على ذلك ولكن أفعالهم لا تخفى على أحد.

 

والله المستعان

بقلم/نضال الشركسي

صحيفة ليبيا السلام

نبذة عن -

اترك تعليقا